أحلام قيد الانتظار

بقلم ✍️ د. لمياء محسن
(دكتوراه الإذاعة والتليفزيون ـ كلية الاعلام ـ جامعة القاهرة)
في زمنٍ تتسارع فيه الأيام وتتزاحم اللحظات، لم يعد للإنسان متسع لالتقاط أنفاسه. صار يركض، لا لشيء سوى اللحاق بأحلام تتكاثر، تتبدل، وتُلقي بثقلها عليه كأنها عبء لا بد من حمله.
إنها أحلام هذا العصر: بعضها وُلد من رحم الحاجة، وبعضها فُرض عليه قسراً تحت ضغط مجتمع لا يرحم، وأخرى نبتت في قلبه بفعل المقارنة المستمرة مع صور مثالية على شاشات السوشيال ميديا.
في الماضي، كانت الأحلام بسيطة، متجذّرة في القلب والعقل، تنمو على مهل، وتزهر مع الوقت. أما اليوم، فقد تحوّلت إلى سباق محموم مع الزمن، وصارت ثقافة الإنجاز السريع هي الحاكم الأول لحياتنا.
إن لم تحقق هدفك قبل سن الثلاثين، فأنت متأخر. إن لم تمتلك منزلك، سيارتك، مشروعك الخاص، وشهرتك الرقمية، فأنت خارج السياق. هذه المعايير الجديدة أوقعت الإنسان المعاصر في فخ التوتر المستمر والقلق المزمن.
نعيش اليوم في حالة صراع دائم: بين ما نريده حقًا، وما يُنتظر منا. بين صوت داخلنا يهمس “تمهّل”، وصوت خارجي يصرخ “أسرع، تفوّق، تميّز”. ووسط هذه الضوضاء، تقف الكثير من الأحلام على رصيف الانتظار؛ ليست لأنها مستحيلة، بل لأن صاحبها منهك، متردد، أو ببساطة… لم يعد يعرف أي حلم يستحق السعي.
قطار الأحلام يمضي، نعم، لكنه لا ينتظر أحدًا. والسؤال الحقيقي لم يعد: “هل سأصعد؟” بل: “هل هذا القطار وجهته ما أريد؟”. فليس كل ما يلمع ذهبًا، ولا كل حلم يناسب الجميع.
ربما حان الوقت لنعيد النظر في أحلامنا، نحرّرها من القوالب الجاهزة، ونعيد لها معناها الحقيقي: أن تكون مرآةً لأعماقنا، لا انعكاسا لصخب الآخرين.
في النهاية، ليست المشكلة في أن تكون أحلامنا مؤجلة، بل في أن نعيش عمرنا نركض نحو ما لا نريده فعلًا، فقط لأن العالم أخبرنا أنه يجب أن نريده.
أحيانا، الشجاعة الحقيقية لا تكمن في مطاردة الحلم، بل في التمهّل، الإصغاء للذات، والاعتراف بأننا لسنا في سباق… وأن بعض الأحلام تستحق الانتظار.