عاجل

مدرسة الحج التربوية

بقلم ✍️ د.محمد الجوهري

(دكتوراه اصول التربية والتخطيط التربوي،أمين لجنة التعليم بحزب الجيل الديمقراطي

الحج ليس مجرد رحلة جغرافية إلى الأماكن المقدسة في مكة المكرمة، بل هو رحلة روحية وتربوية عميقة تترك أثراً كبيراً في نفس الحاج وسلوكه.

ولو تأملنا شعائر الحج، نكتشف أنها تعلمنا دروساً تربوية عظيمة، تهدف إلى صقل الشخصية، وتعزيز القيم الإيمانية والأخلاقية، وترسيخ معاني الأخوة والتضحية والصبر.

فتبدأ رحلة الحج بالإحرام، حيث يخلع الحاج ملابسه الفاخرة ويلبس ثوبين أبيضين ( وكأنه يلبس كفنه) تاركاً وراءه زينة الدنيا وفي هذا المشهد، تبرز قيمة المساواة بين البشر، فلا فرق بين غني وفقير، أو بين أبيض وأسود، ولا عربي وغربي إلا بالتقوى.

كما تعزز التلبية بقوله “لبيك اللهم لبيك” الانقياد الكامل لله وتذكير الحاج بأن حياته كلها يجب أن تكون خالصة لوجه الله تعالى.

وعندما يطوف الحاج حول الكعبة ويسعى بين الصفا والمروة، فإنه يمارس شعائر تعلمه الصبر والمثابرة فكما أن السعي يذكره بالسيدة هاجر أم سيدنا إسماعيل عليه السلام، وهي تبحث عن الماء لابنها بلا يأس، فإن الحاج يتدرب على التوكل على الله مع بذل الجهد والأخذ بالأسباب،

ويرمز الطواف حول الكعبة المشرفة إلى دوران الإنسان حول مركزية الإيمان في حياته.

أما الوقوف بعرفة فهو ركن الحج الأعظم، حيث يقف الحجاج على صعيد عرفة متضرعين إلى الله، متذكرين يوم القيامة وفي هذا الموقف يتعلم الإنسان التواضع والخشوع، ويذكره بحاجته الدائمة إلى مغفرة الله ورحمته.

كما أن اجتماع الملايين في مكان واحد، يدعون رباً واحداً، يعزز معنى الوحدة الإسلامية، ويجسد قوله تعالى: “وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ”.

وحينما يرمي الحاج الجمرات، فإنه لا يرمي حجارة فحسب، بل يرمز إلى محاربة الشيطان ونزغاته، ورفض كل أشكال الشر والفساد. هذه الشعيرة تربي المسلم على المقاومة الداخلية( يقظة الضمير) ضد الأهواء، وتذكره بأن الحياة صراع دائم بين الخير والشر، وعلى الإنسان أن يختار طريق الاستقامة.

ثم يذبح الحاج هدياً تقرباً إلى الله، متذكراً قصة سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام. هذه الشعيرة تعلم التضحية والبذل، ليس فقط في الأمور المادية، بل في كل ما يطلبه الله من عباده، كما أن توزيع لحم الأضاحي على الفقراء يعزز قيمة العطاء والتكافل الاجتماعي

ولا تنتهي رسالة الحج بانتهاء مناسكه، بل تبدأ مرحلة جديدة يعود فيها الحاج إلى حياته اليومية بحصيلة تربوية عظيمة. فالحج الناجح هو الذي يترك أثراً في السلوك، فيصبح الحاج عند عودته إلى وطنه أكثر صبراً، تواضعاً، والتزاماً، وأقدر على مواجهة تحديات الحياة بنفس إيمانية متجددة متمثلا فيه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه)

وختاما فإن شعائر الحج، بكل تفاصيلها، تمثل منهجاً تربوياً متكاملاً يهدف إلى بناء شخصية المسلم بناءً متوازناً، يعتمد على التقوى، الإخلاص، الصبر، والتضحية.

فالحاج الذي يستوعب هذه الدروس لا يعود من مكة بحج فقط، بل يعود بقلب جديد ، مستعداً ليكون خير سفير لقيم الإسلام في مجتمعه.

رزقنا الله وأياكم حج بيته الحرام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى