عاجل

د.خالد محسن يكتب : حرب الساعة..حقائق ودروس استراتيجية!

# من أول السطر

وتدور الدوائر ، وبدأت “طامة أممية أخري ونكبة جديدة”، ومن أول السطر كما هو الحال خلال السنوات الأخيرة والتي شهدت متغيرات متسارعة وأزمات مفتعلة تضيف للمشهد الحاضر والمستقبل المنظور مزيدا من الضبابية والتوجس وعدم اليقين!.

وبين عشية وضحاها وجه الكيان الصهيوني، وبحجج واهية ضربات قاصمة ومركزة وموجعة لإيران مدعوما من الولايات وبتأييد غربي صامت، والهدف المعلن شل قدراتها النووية ووقف تهديداتها المستمرة لإسرائيل وإخضاعها للشروط الغربية ووأد برنامجها النووي الطموح في مهده، هذا علاوة علي تدمير أسلحتها البالستية المتطورة واستنزافها بعد نجاح تقليم أظافرها، وإضعاف أذرعها في لبنان وسوريا واليمن.

وفي تقديري أن الهدف الاستراتيجي يتجاوز كل هذه المبررات ويصب في بوتقة تدشين “شرق أوسط جديد” لا صوت يعلو فيه فوق صوت إسرائيل وأنصارها، بعد أن عززت نفوذها بمساندة أمريكا والغرب وحققت الكثير والكثير من طموحاتها الإستيطانية والتوسعية ونجحت في إضعاف معظم دول الجوار العربي وأفلحت بكل أسف في تحجيم قدراتهم الإقتصادية والعسكرية والأمنية، وحتي إشعار آخر!

ومع استمرار الهجمات المتبادلة لم تضع الحرب الإيرانية الإسرائيلية أوزارها بعد، لكنها كشفت العديد من الحقائق، وسطرت سريعا عشرات الرسائل والدروس الإستراتيجية، بعد أن أصبح العالم علي فوهة بركان نتيجة لهذا التصعيد الصهيوني وتعمده إغفال المفاوضات والحلول السلمية، وإيجاد تسويات عادلة للقضية الفلسطينية ونزاعها مع إيران ووكلائها وحلفائها في المنطقة العربية.

أتصور أنه من المهم علي كافة المستويات الشعبية والرسمية إدراك هذه الحقائق والرسائل الاستراتيجية لحرب الساعة، وإعادة قراءة ما بين السطور، وإستشراف المستقبل والنظر لما هو قادم والوعي الشامل بمتطلبات المرحلة علي كافة المستويات المجتمعية والأمنية.

في اعتقادي أن علي رأس قائمة الحقائق والرسائل الاستراتيجية إدراك حجم المخاطر، وإدراك أبعاد المؤامرة، وتفهم محددات الصراع الإيراني الصهيوني والمخططات الاستراتيجية لتشكيل شرق أوسط مغاير تكون الكلمة العليا فيه لإسرائيل وأعوانها !

ومن الأهمية بمكان تعزيز التكاتف والترابط، والاعتزاز بمواقف مصر الحكيمة القوية، والتي أدركت حجم هذه المخاطر مبكرا وحذرت مرارا وتكرارا من تداعيات ثورات الربيع العربي والذي تحول إلي خريف ممتد المفعول والأثر، كما حشدت كافة الجهود لوقف مخططات التهجير القسري لأهل غزة، وإنهاء حرب الإبادة الممنهجة للشعب الفلسطيني، وسطرت مواقف وردودا حاسمة تجاه المزايدين والمشككين في دورها المحوري والمتاجرين بمناصرة القضية الفلسطينية، والذي يصب في صالح العدو ويدعم طموحاته وآماله اللامحدودة!.

ومن الحقائق التي يجب أن يدركها الجميع أننا نعيش “عصر القوة الإستراتيجية الشاملة” بكل ما تحمله الكلمة من معان، ومستويات، فلا مكان للضعفاء فلا عداء دائم ولا صداقة دائمة وإنما صدق من قال هناك “مصالح دائمة” وحسب!.

ولعل هذا الفهم الواعي ترجمته القاهرة بتطوير قدراتها العسكرية، وحرصها علي تنويع مصادر السلاح، وتجسيد واع لمفهوم الردع وتوازن القوي، عبر رسائل عملية وفاعلة ولمن يهمه الأمر ومنذ أمد طويل!

ومن الحقائق المهمة اعتماد الكيان الغاصب علي مجموعة من الجواسيس والعملاء، ووقوع العديد من الإيرانيين وغيرهم في بحرالخيانة الآسن مما سهل المهمة كثيرا ، ولم يستوعب قادة إيران درس “العملية القذرة” للتخلص من الأمين العام لحزب الله حسن نصر والمئات من قادة الحزب، عبر تفخيخ أجهزة الاتصالات الخاصة بهم والإرشاد عن مواقعهم.. وهي خطيئة تاريخية موجعة تسببت في إجهاض قدرات حزب الله، ولن تمحي آثارها من الواقع والأذهان، وقد كانت بمثابة الإنذار المبكر، ولكن لا حياة لمن تنادي!.

ومن دروس حرب الساعة تطور منظومة الحروب الإلكترونية، والتي تعتمد علي تقنيات الذكاء الاصطناعي الفائقة، وقد شهد العالم كيف تفوقت المسيرات والصواريخ البالستية في إحداث ضربات موجعة علي الجانبين، لكنها لن تكون بديلا لطرق وأساليب وأسلحة الحروب التقليدية، وينبغي الإستفادة من كليهما وفقا لاعتبارات الزمان والمكان.

ومن الحقائق والدروس خطايا إيران الاستراتيجية في تأمين مقدراتها العسكرية والإقتصادية وإهمال تطوير سلاحها الجوي، والإستخفاف بتهديدات الكيان الصهيوني والولايات المتحدة خلال الشهور الأخيرة.

ومن أكبر الخطايا تقصير الأجهزة الأمنية مما سمح بهذا الاختراق الأمني والعسكري، وكانت النتيجة المؤلمة مقتل العشرات من القادة العسكريين وعلماء البرنامج النووي، علاوة علي هذه الخسائر العسكرية والإقتصادية والمادية في اليوم الأول للعدوان.

ومن الدروس المهمة أيضا انتهاء وهم الحصانة المطلقة للكيان الصهيوني المتغطرس فقد أخطأت حساباته وتقديرات لحجم وطبيعة الرد الإيراني، فها هي تل أبيب وحيفا والعديد من مدن الكيان المحتل تتذوق من الكأس الذي سقَت منه غزة مرارا..

ها هي الأبراج تنهار، والملاجئ تضيق، والدموع تنهمر والصرخات تعلو، والأصوات المذعورة ترتجف تحت الركام… كما كانت غزة ترتجف وهي تنادي على أطفالها وتبكي جراحها، وتودع شهداءها.

نعم اليوم، أثلجت القلوب وتنفست صدورنا المكلومة  نسائم غيضا من فيض عدلٍ طال انتظاره، بعد أن تعددت المظالم وتزايدت الجرائم والمآسي.. 

ليعلم المحتل أن الدم لا يُنسى، وأن الأرواح التي صعدت من تحت الركام لا تموت عبثا، بل تعود في هيئة جنود، من عباد الله المخلصين: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾..

فصبر جميل يا أهل غزة الصامدة… فقد آن للأنين أن يُسمع، وللحق أن ينتفض، وربما تكون المقدمة لنصر الله الحق الذي بشر به في كتابه العزيز.

وصدق الله العظيم عز وجل وهو القائل في محكم التنزيل: { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً* ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا* عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا..} (الإسراء: 4 ـ7).

وتبقي بشريات المولي عز وجل :{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيًفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَا يَجْمَعُونَ }. يونس 58.

ورغم حجب كافة المعلومات عن حجم الإضرار التي سببتها صواريخ إيران، فمن الحقائق المهمة أن إسرائيل اكتوت بنيران صلفها وتجبرها، وتكبدت خسائر عسكرية ومادية ومعنوية ضخمة، وحتي كتابة هذه السطور لم تحقق كامل أهدافها المعلنة، مما يلقي بظلال سلبية علي المشهد خلال الأيام القليلة المقبلة.

ومع بصيص الأمل وتوارد أنباء متفرقة عن جهود دولية للوساطة للتوصل إلى وقف إطلاق النار يعيش العالم شعوبا ودولا في حالة من الترقب والقلق ،خشية اتساع رقعة المعركة ودائرة المواجهات ودخول أطراف فاعلة في الحرب كالولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، وعلي الجانب الآخر إعلان باكستان ودول أخرى دعمها لإيران لتجاوز هذه النكبة..

كما تتزايد المخاوف من التداعيات الخطيرة للحرب وتأثيراتها الإقتصادية المتوقعة.. ولا ريب أن هناك دروس ورسائل أخري ستكشف عنها الأيام تباعاً..

و(الله غالب على أمره ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون) صدق الله العظيم.

*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى