“مدخل إلى فن المسرح” لكمال يونس: محاولة لاستدعاء الصدق وانحياز للمسرح كفعل حياة

بقلم: حسام الدين مسعد
صدر كتاب “مدخل إلى فن المسرح” للدكتور كمال يونس ضمن إصدارات الدورة الثامنة عشرة للمهرجان القومي للمسرح المصري، والمزمع عقدها في يوليو ٢٠٢٥، ليُشكل أحد المراجع التمهيدية التي تعكس اهتمام إدارة المهرجان هذا العام بتأصيل المعرفة المسرحية لدى جمهور واسع من الفنانين والمتدربين والمهتمين.
جاء الكتاب بمثابة دليل إرشادي شامل، يسعى إلى ربط الفهم بالممارسة، وتبسيط المصطلح دون تفريط، وجعل المسرح أداة وعي لا نخبوية استعلائية.
هذا الكتاب لا يكتفي بمجرد شرح أدوات المسرح أو تاريخه، بل ينخرط في نقد ظواهر خطابية وفنية أسهمت في عزلة المسرح عن مجتمعه، ويسعى من خلال لغته الواضحة، والأسلوب المباشر، بلغة سلسة وبلاغية أحيانًا، تنم عن حرص المؤلف على التفاعل مع جمهور غير متخصص، لكنه لا يخلو من نبرة هجومية ضد من يسميهم بـ”كهنة المصطلحات” أو “شيوخ النقد المغلق”، مما يمنح الكتاب حيوية، وإن كان يقلل أحيانًا من موضوعيته الأكاديمية وتقسيماته المنهجية، إلى ردم الهوة بين المنصة والجمهور، بين النظرية والتطبيق، وبين المصطلح والانفعال.
يقع الكتاب في عدة فصول ومداخل، يمكن تلخيصها ضمن ثلاث دوائر رئيسية:
١- المفاهيم والتعريفات المسرحية والنقدية، إذ يتضمن هذا القسم شرحًا مبسطًا ومعمقًا لأكثر من ٣٠ مصطلحًا من بينها: السينوغرافيا، الكاثارسيس(Catharsis)، التيمة، الإيقاع الدرامي، المونودراما، الهرمنيوطيقا، السيميوطيقا، وغيرها، وقد حرص مؤلفه على تقديم هذه المفاهيم بلغة غير متعالية، موجهة بالأساس إلى الدارسين الجدد والمهتمين بالمسرح، مع نقد لاذع أحيانًا لما يسميه بـ”تعقيد الأكاديميين”، وتبدو هذه المعالجة شاملة، لكنها أيضًا تفتقر إلى النسق البنيوي المنهجي المتماسك، إذ يتنقل المؤلف أحيانًا من المفاهيم إلى الرأي الشخصي دون وسائط تحليلية كافية.
٢-أدلة الكتابة والإخراج والأداء المسرحي، إذ يفرد المؤلف فصولًا بعنوان: “دليل الكتابة المسرحية”، و”دليل النقد المسرحي”، و”إيقاع الممثل والكاريزما”، و”المونودراما بين الشكل والمضمون”، وهي بمثابة كتيبات عملية صغيرة داخل متن الكتاب، تشرح بوضوح كيفية صياغة نص، أو تحليل عرض، أو تجسيد شخصية على الخشبة. ويؤكد في كل منها على مركزية المتلقي، وجدلية الشكل والمضمون، وضرورة التخلص من الخطابة والافتعال.
٣-التقنيات الحديثة والمسرح الشعبي
في فصل خاص، يتناول د.يونس السينوغرافيا بوصفها فنًا لتشكيل الصورة المسرحية، ويمرّ على المسرح الشعبي والرقمي، مبرزًا كيف يمكن للمسرح أن يحتفظ بجماهيريته دون أن يفقد عمقه أو فنيته. ويضع تعاريف دقيقة لمصطلحات مثل “الميتاثياتر”، و”التمصير”، و”الاقتباس”، و”التعريب”، مع التركيز على مسرحة الواقع وملاءمة الفضاء للمضمون.
الغاية من هذا الكتاب، كما صرح المؤلف، ليست تقديم كتاب دراسي نمطي، بل تحرير المسرح من العزلة المعرفية، وتجنيب المتلقي فخّ المصطلحات الجافة، وتحفيز المتدرب أو الممارس على استيعاب فن المسرح باعتباره “فن الحياة”، فالكاتب يهاجم بشجاعة ما يسميه “كهنوت النقد” و”شيوخ المصطلح”، ويدعو إلى مسرح بسيط، مشاكس، صادق، يشتبك مع الواقع بذكاء لا ببلاغة فارغة.
ورغم افتقار هذا الكتاب لمنهج بحثي أكاديمي صارم، إلا أن قوة الكتاب تكمن في نزاهته العاطفية، وصراحته الفنية، وسعيه إلى تخليق مسرح من الناس وإليهم من خلال هيمنة الرأي الشخصي النابع من تجربة شخصية لمؤلف هذا الكتاب، وممارسته الحية لفن المسرح ،مما جعل كثيراً من أطروحات هذا الكتاب عرضة للنقاش المفتوح دون دعم توثيقي .
كتاب “مدخل إلى فن المسرح” ليس مرجعًا أكاديميًا تقليديًا، بل وثيقة فكرية تربوية، تمزج بين وضوح الرؤية وجرأة الطرح، وتُحاول إعادة المسرح إلى “أصحابه الحقيقيين”: الجمهور، والفنان الواعي، والمثقف المتفاعل مع قضايا مجتمعه. ومن هنا، فهو نصٌّ أدبي مناسب جدًا للتدريب، والتعليم، والورش المسرحية، بل وللتداول المدرسي أيضًا، ويصلح أن يكون نواة لحوار أوسع حول المسرح العربي اليوم، بين ما هو نخبوي استعراضي، وما هو شعبي تحريضي.
إنه ببساطة كتيّب يقاوم التصنّع، ويستدعي الصدق، وينحاز للمسرح كفعل حياة لا مجرد مهنة.