د.خالد محسن يكتب: المرجفون ..ورمزية التضحية والفداء !!

# من أول السطر
بمنطق جاء الباطل وزهق الحق ما برح فصيل من العلمانيين ودعاة الفكر التنويري المتحرر، الذين ارتدوا ثياب المرجفين الجدد في أرض الكنانة يبذلون جهدهم ويعيدون الكرة بين الفينة والأخرى للنيل من ثوابت الدين والقيم، وتحقيق أغراض خبيثة..
هذه الترهات تصب في صالح قوي خفية تمتلك أجندات عبثية واستراتيجيات تخريبية هدفها العبث الوجداني، وتمييع وتغيير هوية الأمة وتدمير المجتمعات من الداخل علي كافة المستويات المادية والمعنوية والعقيدية!.
وفي عالم مضطرب يعج بالنزاعات والمتغيرات والتحولات الكبري، احترف هؤلاء المشككين “دعاة الفكر العلماني” الصيد في الماء العكر، وكأنه المناخ الأنسب لنصب شراكهم الخبيثة وتحقيق مآربهم النفعية التي تصب في صالح انصار عصر “ما بعد الحداثة” الذي يتجاوز حدود الزمان والمكان، ولا يأبه بالمورثات الدينية والقيمية والوطنية، ويرسم لنفسه عالم إفتراضيا خاصا، لا ثوابت فيه ولا معايير ولا مبادئ مكبلة وفقا لرؤاهم الشيطانية، ومنطقهم المتقيح!
ومن قديم الزمن ارتدوا ثيابا متعددة وتلونوا كالحرباء للتكيف المؤقت، انتظارا وتحينا للفرص، للإفصاح رمزا أو تصريحا بدعواتهم الشاذة، وعما يدور بخلدهم بغية إحداث الفتنة وتفريق الصفوف.
والأمر المحير أنهم اعتادوا قلب الحقائق والمفاهيم وتوجيه الإصطلاحات، وتحت ستار “التنوير” بمفهومه الضيق يختبئ هؤلاء لبث سمومهم وقناعاتهم الفاسدة وحججهم الملتوية ورواياتهم المنقوصة التي ما أنزل الله بها من سلطان.
ولا عجب من شأن حفنة المرجفين “بلايا” هذا الزمان فقد شككوا من قبل في ثوابت السنة النبوية الشريفة، وتعمد بعضهم تشويه صورة عدد من الصحابة والتابعين، بل والتطاول عليهم أحيانا، كما تجرأ نفر منهم في تقديم تفسيرات مغلوطة للنصوص الدينية والأحاديث الشريفة وآيات القرآن الكريم، كما أنكر البعض منهم أحكام المواريث، وشككوا في حادثة الإسراء والمعراج وغيرها.
وفي هذا السياق المزري استفزني ما أقدم عليه “كبير المرجفين” من عرض متبجح للفهم الخاطيء للشعائر الدينية في عيد الاضحى، مؤكدا أنها تفقد مصداقيتها..
كما شكك في قصة نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل إبراهيم عليهما السلام، زاعما بقوله: “قصة سيدنا إبراهيم ووالده إسماعيل خارج إطار العقل.. أنت لو والدك قالك: هقتلك، تاخده وتروح بيه على الطبيب النفسي عدل”.
كما أشار إلى أن القصة خارج نطاق العقل، ولا يمكن توظيفها في إطار طاعة الوالدين!.
وقد أثارت تصريحاته موجةً من الجدل والغضب العارم لدي كافة أوساط الشعب المصري بجميع فئاته، وهو المتدين بطبعه الذي يأبي المساس بثوابت الدين وأصول العقيدة، فرمزية الفداء لا جدال فيها تجسد أسمي معاني التضحية والامتثال لأمر الله والفرار إليه والسمو عن فتن الحياة الدنيا وتقلباتها ومقابحها، والتسليم بقدر الله والإيمان المطلق بقدرته وعظيم مشيئته،
كما أن الأضحية واحدة من أبرز الشعائر الدينية التي تُحيي في وجدان المسلمين معاني الطاعة والتضحية، مستحضرين قصة الفداء الأعظم وامتثال نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام لمشيئة الله عز وجل واختباره وبلاءه لخليل الله وأبي الأنبياء والمرسلين.
وردا على ما قال المفسر الجهبز وكأنه “ابن سلول العصر” ، قالت الدكتورة هبة عوف أستاذ التفسير بجامعة الأزهر، في منشور لها عبر صفحتها بشبكة التواصل الاجتماعي “فيس بوك” تحت عنوان: “ردا على من ينكر قصة سيدنا إبراهيم وولده إسماعيل”: قولك إن قصة نبي الله إبراهيم وذبحه لإبنه “خارج إطار العقل” فيه خلط خطير بين الوحي الإلهي المقدس والأهواء البشرية القاصرة.
وتابعت أستاذ التفسير : قصة الذبح ليست خيالا.. بل وحي من الله إلى نبي كريم، واختبار إيماني عظيم جسّد أعلى مراتب التسليم والطاعة بين أب وابنه، وقد خلدها الله في كتابه فقال: {إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ۖ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}. “الصافات: 102”.
وأضافت أن من يعتبر هذه القصة “تحتاج لطبيب نفسي” يفتقد لفهم مقام النبوة ومعنى الوحي والابتلاء الإلهي، ويقيس الأمور الإيمانية بمقاييس الحياة اليومية المعاصرة، وهو قياس باطل وفاسد.
ولفتت إلى أن إيماننا بنبينا إبراهيم وولده إسماعيل ليس فقط قضية دينية، بل هو ركن في العقيدة، وقصة الذبح رمز للفداء والتضحية والطاعة المطلقة لله، وهي الأساس الذي قام عليه عيد الأضحى وشعيرة الأضحية.
وحذرت من أن التشكيك في هذه القصة، أو عرضها كحالة مرضية، هو مساس مباشر بثوابت الدين، ولا يمت لحرية الفكر بأي صلة.
كما شددت على أن احترام المقدسات ليس تقييدا للعقل، بل هو سمو بالعقل عن العبث والتطاول على الوحي.
وبعيدا عن هذه الترهات التي يروجها هؤلاء العلمانيون، فإن فلسفة الأضحية هي في ذاتها امتزاج بين حاجة الإنسان الروحيّة وحاجته الماديّة ففيها إطعام وفيها تطهير للنفس من الشح، وفيها توجه روحيّ لله عبر استحضار القربان لله وعبر استحضار قصة إبراهيم وابتلائه العظيم بذح ابنه إسماعيل، وعليه، فالأضحية تمثل نفس البعد الممتزج بين عالمي الأرض والسماء وحاجة الفرد والمجتمع.
وعلاوة على دور الأزهر الذي لا يألوا جهدا في بيان وجه الحقائق وتفنيد آراجيف هؤلاء المارقون عن جادة الصواب في اعتقادي أنه قد آن الأوان لوضع حد لهذه التجاوزات، ولجم أفواه هؤلاء التي لا تنطق إلا كذبا وبهتانا، وزورا ويجب أن تتصدي لهم كافة مؤسسات الدولة الفاعلة من خلال وضع آليات محددة لتغليظ عقوبة الإساءة للأديان والطعن في الثوابت الإيمانية وأتصور أن للمجلس الأعلى للإعلام دورا مهما لتفعيل الضوابط والمعايير والأكواد المحددة التي تحافظ علي قيم المجتمع الدينية والأخلاقية ويجب أن تتخذ ما يلزم من إجراءات رادعة.. ونتمني أن ألا نري مثل هذه الوجوه القبيحة علي شاشات فضائيات ومنصات أرض الكنانة..
وتبقي فضيلة التقوي وتقديس شعائر الدين القيم هي الفيصل في الحكم علي هذه النفوس المريضة وشطحاتها، التي قد تخرج صاحبها من الملة وتلفظه بعيدا عن هذا التوافق المجتمعي، وشتان بينها وبين النفوس المؤمنة النقية ونزوعها لطاعة الله والامتثال لأحكام شريعته، والتي تعي أدق معاني وجل القلوب من خشية الله وتدرك حقيقة معرفتها لله، وتعظيم توجيهاته وشعائره !.
وهو ما جسدته آيات سورة الحج يقول الله تعالى في محكم كتابه:
( حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38).صدق الله العظيم.
وما برِح الحقُّ منتصرا..ولله الأمر من قبل ومن بعد.