عاجل

قراءة نقدية لرواية “لحى زهرية” لفكرية شحرة

بقلم ✍️  زكريا صبح ( أديب وناقد)

ويتجدد اللقاء مع المعين الصافي لأدباء ومواهب أبناء أرض الكنانة ،ومع نخبة من الأدباء العرب .. وفي هذه السطور تنشر بوابة الجمهورية والمساء رؤية نقدية للكاتب والناقد زكريا صبح في قراءة متفحصة لخبايا روايتي (لحى زهرية)

للكاتبة والمؤلف اليمنية فكرية شحرة

والتي وصلت إلى القائمة القصيرة لمسابقة الرواية العربية “كتارا”.

قراءة في رواية لحى زهرية

للكاتبة  فكرية شحرة

( الأوطان المتألمة تئن ، والكاتب الإنسان يصرخ نيابة عنها.

فكرية شحرة من هذا النوع الذي حمل وطنه فوق ظهره، وهاجر به . فقد جمعت أناته، وبكت من أجله ، ورصدت معاناة أهله، وعاهدتهم أن تعبر عنهم.

لن تجد كتابا خطته يدها إلا وجدت الوطن يسكنه ، وأهله يطلون منه ، وقضاياهم محوره، فمنذ أن كتبت نصف روح ( مجموعة قصصية) ثم عبير أنثى (رواية) وأتبعتها بقلب حاف (رواية ) ثم رائعتها شمس أوام(صاحب الابتسامة)( رواية) ثم هكذا يموتون (مجموعة قصصية) وكذلك نافذة وأربعون جدارا ( مجموعة قصصية) حتى وصلت إلى الثجة (رواية)، ومن بعدها فتيات الغربة (مجموعة قصصية) وصولا إلى لحى زهرية ( رواية) التي نحن بصدد الحديث عنها ، أقول منذ عملها الأول حتى عملها الأخير ستجد في كل عمل قضية تهم الوطن ، أو فكرة تؤرقها من أجله ، أو شخصية سحقها ظلم حكام الوطن ، أو موقفاً يجسد أثر الحرب الدائرة في وطنها الذي فارقته جسدا ولم يفارق قلبها وعقلها.

رواية لحى زهرية جاءت تعبيرا عن عذاباتها الشخصية التي أرقتها. ولم تهدأ الكاتبة حتى صورت معاناة الوطن، وأنات أهله، وصرخات الحالمين له بمستقبل أفضل.

قراءة نقدية لرواية

**تقسيم العمل:

لأن الكاتب ينشغل بالشكل والقالب الذي يضع فيه أفكاره، فإنه يظل باحثا عن طريقة جديدة، يقدم من خلالها أفكاره . وهنا نلاحظ أن الرواية لم تقسم إلى فصول معتادة، سواء جاءت معنونة أو مرقمة ، وإنما عمدت الكاتبة إلى تقسيم العمل إلى قسمين رئيسين؛ القسم الأول هو الذي جاء تحت عنوان ( الرؤيا ) وكان عددها ثلاث رؤى ، والقسم الثانى هو الفصول المرقمة التي بلغ عددها عشرين كتلة سردية . ولم تكتف الكاتبة بهذا التقسيم، بل قسمت الفصول المرقمة إلى قسمين ؛ قسم يبدأ من رقم ١ إلى رقم عشرين ، والقسم الثانى تمثل في فصل قائم بذاته، ورقمته بالرقم صفر.

إن محاولة فهم فلسفة التقسيم ستكون معينا، ولا شك في فهم الرؤية الفنية للكاتبة ، فإذا ما ذهبنا إلى الرؤى الثلاث التي جاءت متفرقة في الكتاب وجدناها _ إذا جمعنا شملها _ تمثل مختصرا للرواية ، أو على الأقل، تحدثنا عن جوهر الرواية . فالرؤى الثلاث تصور لنا مأساة علوش، وربما كان الاسم هو اسم ( التدليل ) أو اسم( الدلع ) باللهجة المصرية لبطلة النص ( علياء ) وقد صورتها في الرؤية الأولى، منذ طفولتها، تسير في طريق الألم؛ حيث كانت تلقي بملابس أخيها المتوفى في النهر؛ امتثالا لأوامر الأم.

ثم في الرؤية الثانية صورتها راكبة عربة تجرها الخيول وتسير ناظرة في طريق طويل بلا معالم وقد لا تصل من خلاله أبداً ، كأن الكاتبة أرادت أن تقول: إن الرحيل قدر محتوم، والعودة مشكوك فيها.

وأما الرؤية الثالثة، فقد صورت فيها الكاتبة بطلتها وهي تركب سيارة تسير في الطريق ذاته الذي ليس له نهاية. ثم إن السيارة تعطلت ، وضاع مفتاحها. وحتى لما وجدت المفتاح وناولته للسائق مضى وتركها وحيدة.

إن الرؤى الثلاث تأكيد لمعنى الاغتراب والتيه والحيرة والارتحال إلى حيث لا طريق، وإلى حيث لا أمل في العودة. وكأن الكاتبة أرادت أن تجعل إيقاع العمل كله رحلة لا تنتهي وضياعا لا رجوع منه.

**موضوع الرواية:

لا شك أن لكل عمل إبداعي موضوعا بعينه ، وربما جاز لنا أن نقول في العمل الروائي إن له حكاية ما ، فالحكاية جزء رئيس من الرواية ، فهل قصدت الكاتبة من وراء عملها الحكاية أم القضية ؟

بشيئ من التأمل سندرك أن الكاتبة تجعل من الحكاية سبيلا أو وسيلة لعرض قضية الوطن ، فالوطن متن والحكاية هامش. هذا ربما يكون في عقل الكاتبة. أما القارئ فإنه دائم البحث عن الحكاية المسلية المشوقة المثيرة. ولقد استطاعت الكاتبة أن تفي بالغرضين معا؛ فلقد عرضت قضية الوطن المتمثلة في الحرب الدائرة هناك، والتي لم يسلم منها بشر أيا كان انتماؤه ، وكيف خلفت الحرب كثيرا من الضحايا وجعلت من الوطن سفينة غارقة أو، في أحسن الأحوال، سفينة عالقة تائهة لا تعرف لها شاطئا ، وفي الوقت ذاته لم تغفل الحكاية المشوقة المثيرة. ولكنها وزعت الحكاية توزيعا عادلا على أبطالها ، فعلياء لها حكاية ، وسليم الخالد له حكاية، وماجد له حكاية، وأحلام وإلهام وبدر وأيمن ، لكل واحد منهم حكاية خاصة ، ومن مجموع حكاياتهم تكتمل حكاية الرواية.

** فلسفة الانقسام:

الكتابة الجيدة هي التي تعتمد على رؤية شاملة ، والكاتب المتميز هو الذي يبني معمار روايته وفق هذه الرؤية. وتتضح رؤية الكاتب عبر كلمات نصه ، بحيث تتضح معالمها كاملة مع الكلمة الأخيرة للنص.

أظن أن الكاتبة تعانى انشطارا ذاتيا ناتجا عن هجرتها القصرية من وطنها الذي ولدت فيه وشبت على أرضه واكتحلت عيناها بسهوله وجباله ، بطرقه ومنازله ، بحقوله وصحرائه. فلما شقت الحرب، بكل شرورها، قلب الوطن، شقت معها روح الكاتبة، فأصبحت ذات روحين؛ روح هناك في وطنها المكلوم، وروح تعيش بها حيث تقيم.

إذن الرؤية الشاملة للنص تحيل قارئه إلى فكرة الانقسام والانشطار ، هذه الفكرة التي تسربت رغما عن الكاتبة عبر اللاوعي الكتابي ، فإذا لم تكن فكرة الانقسام أو الانشطار هي الفكرة الرئيسة فكيف نفسر الآتي

١_ النص ذاته منقسم إلى عالمين ، العالم الواقعي والعالم الافتراضي

٢_ البطلة علياء منقسمة على نفسها بين إنسان طبيعى ومريضة نفسية رغم كونها طبيبة نفسية.

٣_ المجتمع منقسم إلى شعب ونخبة أو ساسة وعامة.

٤_ المجتمع منقسم بين رجل وامرأة.

٥_ الحياة منقسمة إلى حياة وموت.

٦_ الحياة منقسمة إلى حل وترحال.

٧_ السرد الروائي يراوح بين الصحو والرؤى المنامية.

٨_ سليم الخالد ، البطل الرئيس في العمل منقسم على ذاته بين رجل أمام الناس وامرأة في العالم الافتراضي.

٩_:الطبيبة علياء منقسمة في شخصيتها بين امرأة شابة وامرأة عجوز لا تتوقف عن لومها.

١٠_ الوطن منقسم بين حالين ، السلم والحرب.

١١_ الأبطال منقسمون بين عقلاء ومجانين.

١٢ _ المواطنون ينقسمون بين أحرار ومساجين.

١٣ _ الساسة منقسمون بين شرفاء وفساق.

إذن فقد تبين لنا أن سمة الانشطار والانقسام هي الإيقاع العام للرواية.

* الاطفال ضحايا الحروب:

تقول الكاتبة على لسان أحد أبطال العمل في صفحة ٨٦ ( أصبح الوطن مصحة عقلية مفتوحة ، كل مجنون على طريقته الخاصة ، ما على الشخص إلا اختيار طريق الجنون المناسب فلا يضر إلا نفسه )

ولعل السؤال الذي يلح علينا جميعا : لماذا أصبحت الأوطان مصحات نفسية مفتوحة ؟

بلا شك أن لكل وطن سببا في جنونه ، هذا وطن يصاب بالجنون لعلة الفقر وآخر لعلة القهر وثالث لعلة الأمراض ….الخ ولكن يبقي أن الحرب هي أكثر الأسباب في تحويل الأوطان إلى مصحات نفسية كبيرة ، الحرب إذا اشتعلت كانت مثل يوم القيامة تجعل الناس في حالة ذهول ، وربما استلبت منهم العقول ، ويبقي أن الأطفال هم الفئة الأكثر تأثرا بهذه الحرب.

ولذا فليس عجيبا أن نرى رجلا يقتل أولاده الأربعة وزوجته ضربا بالفأس ،وليس غريبا أن تصور الكاتبة آخر يغرق بناته الثلاث بيديه.

الكاتبة في روايتها كانت كأنها تستقي القصص من الصحف السيارة ، لم يكفها الخيال لتصور حجم الدمار النفسي الذي من الممكن أن تلحقه الحروب بأهل الأوطان.

ولم تكتف الكاتبة بهذه النماذج التي اضطرتها الحرب أن تغتال نفسها وذويها، بل رصدت كيف تقمع الأنظمة الشعوب اعتقالا وتعذيبا ولنا في( إلهام) مدرسة الثانوى التي رفضت الفساد الذي غيب فتاة صغيرة في غياهب التحرش والاغتصاب ، فلما أرشدت الهام عن الفاعلين اعتقلوها. ولما خرجت كانت قد فقدت شيئا عزيزا عليها. كانت قد فقدت عقلها ، ولأن الأنظمة تكره الحالمين، فقد اعتقلوا بدر ذلك الشاب الذي لم يكن يملك إلا فرشاة يرسم بها وجه الوطن. لقد سعت الكاتبة إلى إحصاء أسباب العنف الاجتماعي الذي ضرب الأوطان في مقتل. ليست الحرب وحدها سببا في تخلف البلاد أو إشاعة العنف بين الناس، بل الأوضاع الاقتصادية المتردية و والإعلام الفاسد الذي أظهرته في روايتها بوصفه يهتم بالمظاهر ويصدر في المشهد أصحاب المناصب حتى لو كانوا كاذبين.

** لقد حاولت الكاتبة أن تعرج على كل ألم أصاب وطنها ، استحضرت الشخوص التي من خلالها أدانت أفعال القائمين على حكم البلاد ، فكان سليم الخالد الذي جعلت منه نموذجا بشعا لكل سياسي يبحث عن مصلحته على حساب قيمه ومبادئه. يكفينا هنا تصويرها لهذه الشخصية بوصفه مسخا يتحول من رجل إلى امرأة خلف شاشات التواصل الاجتماعى ، ولا يخفى على لبيب هذه الرمزية المهينة التي أرادت الكاتبة أن تصم بها كل الذين كانوا سببا في خراب الأوطان.

** تقنيات العمل الفنية

١ _ اللغة:

لم تزل اللغة هي الركن الركين في العمل الأدبى ، هي الوعاء الذي يحمل الفكر ، هي المعبر الرئيس بين الكاتب وقارئه.

فكرية شحرة من القلائل الذين يهتمون بهذا الوعاء، بحيث يكون براقا جاذبا ، واصفا ، ناقلا ، تعبر عن أفكارها بلغة فصيحة ميسورة ، لا تقف مكتوفة الأيدي في حواراتها وتنهزم أمام اللهجة العامية ،بل يظهر مجهودها المبذول في العناية باللغة عبر اختيارها للمفردات الدالة ، وعبر. صياغتها للجمل الأدبية التي تجعل من العمل المكتوب عملا إبداعيا بامتياز

انظروا معي كيف تصوغ جملها:

في صفحة ٤٨ مثلا تقول واصفة حال إلهام التي جاءها قرار الإفراج عنها وسماعها كلمة (تخرجي ) تقول الكاتبة : رغم شعور إلهام بسخرية الفتاة فإن كلمة تخرجي من هنا مسحت قلبها المليئ بالسواد كما تمسح هي قدور السجن بالإسفنج المبلل.

وتقول واصفة المدينة في صفحة ٥٢ : كبرت المدينة وأصبحت مثل شجرة عملاقة يتعلق بأغصانها كل القادمين من أرجاء اليمن.

وتقول الكاتبة في موضع آخر صفحة ١٢٠ واصفة وجه المرأة العجوز ( تلك الحركة رسمت أخدودا نحيلا من شعور القرف الذي يخفي حزنا أعمق من أي أخدود على الأرض)

ثم تقول : الجلطات هي عبارة عن خيبات تقف في الأوردة ولذا تنصحهم قائلة : قسطروا قلوبكم بالعزلة والصمت ،ذلك أقسط لكم.

وهذه نماذج فقط من أجل إثبات كيف تعتني الكاتبة بلغتها حتى لكأنها تنحت نحتا في جبال المفردات.

** التصوير:

سيظل العمل الإبداعى شعرا أو نثرا متمسكا بالتصوير الفني ، لأن التصوير وحده هو القادر على إدراج العمل في مصاف الأعمال الفنية الإبداعية ، التصوير يعني أن تمسك بتلابيب القارئ وخياله واصفا له المشهد حتى يشعر كأنه كان يشارك الأبطال لحظاتهم الحزينة قبل لحظاتهم السعيدة ، وقد كانت الكاتبة حريصة في معظم الأوقات على إتقان التصوير وليس مشهد انتقام والدة الطفل ماجد ممن اتهموها بالجنون عنا ببعيد ص ٢٧

** رسم الشخصيات:

الرواية الناجحة هي تلك التي تجعل من شخوصها شخوصا حية تنبض بالحياة ، ولا يتسنى لكاتب أن يفعل هذا من غير أن يقترب من شخصياته اقتراب العارف بهم خارجا وداخلا ، فتراه يصف شخوصه وصفا خارجيا رائعا، ومن ثم يعيد القارئ تصوره والاحتفاظ بصورته في مخيلته ، وكذلك في نقل ما تموج به نفسه ( أي الشخص في الرواية ) من تقلبات وأحزان وأفراح وأحلام وطموحات ، انظروا معي في ص ١٠ تقول واصفة بطل روايتها قائلة (رجل تجاوز عقده الأربعين بهيئة مهيبة وطلة وسيمة ، له جبين واسع وعينان طفلتان يعلوهما حاجبان كثيفان كأجنحة العصافير ، فمه أسر بابتسامة شهية تكشف عن صف من الأسنان المستوية التي ذكرتني بأصابع البيانو البيضاء …..الخ

فهل يلتبس على القارئ بعد ذلك صورة هذا الرجل ؟

هذا مجرد نموذج يوضح كيف ترسم الكاتبة ملامح شحصياتها الخارجية.

ثم حدث ولا حرج عن قدرتها على رسم الأبعاد النفسية للأبطال، عن طريق الراوي العليم الذي جعلت منه الكاتبة وسيلة لسرد الأحداث من ناحية ، واتخذت منه منظارا تتجول من خلاله في نفوس الأبطال، ناقلة لنا أحلامهم وآلامهم وعذاباتهم، عبر الحديث النفسي، أو المنولوج، وربما اتضح ذلك منذ بداية الرواية؛ حيث كان المشهد الأول حوارا ذاتيا تحدث فيه علياء نفسها مستحضرة المرأة العجوز.

**المعادل الموضوعي:

عادة ما يفطن الكاتب المحنك للمعادل الموضوعي من أجل سرد حكاية موازية تكون معادلة لحكاية أخرى ، أو يختلق شخصية تكون معادلا موضوعيا لشخصية أخرى ، وليست العجوز التي كانت تحدثها علياء كلما انفردت بنفسها إلا مرآة مصقولة، ترى فيها علياء الشابة نفسها، وقد صارت عجوزا حكيمة تجلدها بسوط اللوم والتوجيه ، ليس ذلك الصنيع معادلا موضوعيا وحسب، بل جعلت الكاتبة منها الضمير اليقظ والنفس اللوامة التي تؤنب صاحبتها كلما همت بفعل شيئ لا تقتنع به علياء.

وعلى هذا النحو جاء استخدامها الطريق كمعادل موضوعي لفكرة الرحيل ، واستخدمت التيه الذي يسيطر على معظم الرواية معادلا موضوعيا لفقدان الوطن.

**الفلسفة وعلوم النفس في الرواية:

وحدها الفلسفة التي تعني البحث عن العلل البعيدة لأمر ما، ولا تكتفي بظواهر الأمور ، وكذلك فعلت الكاتبة عندما تصدت لمحاولة فهم ورصد ما حدث لوطنها ومن عساه يكون وراء ذلك ، فراحت تغوص في تحليل الأسباب، وفطنت إلى أن النخبة التي تسعى لتحقيق مصالحها على حساب الوطن وأهله، هم السبب وراء كل ذلك ، نتيجة لم تكن لتصل إليها إلا بعد أن عرضت علينا كل الشخصيات، راصدة سلوكها المشين تارة والجيد تارة ، فكانت النتيجة أن أصحاب اللحى الزهرية هم السبب في كل نكبة. هنا لا بد من الإشارة إلى فلسفة اختيار العنوان ، (لحى زهرية ) وحسنا فعلا أن جعلت لحى نكرة، ولم تحددها، ولم تعرفها بألف ولام التعريف، وإلا لكنا طالبناها بسؤال مفاده : من هم المقصودون بأصحاب اللحى الزهرية؟ ولكنها عمدت إلى تنكيرهم؛ استهانة بهم من ناحية، و فتح هلالين لم تغلقهما حتى تجمع فيهما كل من هم على شاكلة سليم الخالد الذي ارتضى أن يختبئ خلف اسم نسائي؛ مخافة أن يفتضح أمره. ولو تأملنا قليلا في ظلال العنوان (لحى زهرية ) لتبينا أنهم أصحاب الرايات الملونة بكل ألوان الطيف.

إن الكاتبة أرادت أن تقول: إن الرجال في حالة تحولهم إلى أشباه الرجال كانوا سببا رئيسا في ضياع الأوطان.

ووثيق الصلة بأمر الفلسفة تلك الجمل التي نحتتها الكاتبة نحتا تجلى فيه عمق خبراتها الحياتية والمعرفية والإنسانية. انظروا معي إلى هذه الجمل : الخوف لا يلتقي مع الحب أبدا ، ربما قصدت أن الحب والخوف لا يلتقيان ولا يتفقان ، وكأنها تقول من أراد الحب فعليه أن يتحلى بالشجاعة.

وعلى ذلك تقول ( الحب فعل شجاع ) ص١٢٠

ثم تتسائل سؤالا فلسفيا وجوديا يقول : كيف سينتصر في حرب من كان خائفا من الحب ؟

وتقول في صفحة ٥٤ : إن الموت أكثر راحة من الحياة في وطن محشو بكل هذا القبح البشري

وتقول في موضع آخر ص ١٠٨ : الحب جوهر الحياة، أن تحب معناه أن تكون على قيد الحياة.

وهكذا تنحت الكاتبة حكمة تصلح أن تكون فلسفة خاصة قد تناسب البعض منا ويسير وفقا لها.

** تقنيات أخرى:

الكاتب إذ يكتب فنا، يكون حريصا على إمتاع قارئه ، ولذا ليس غريبا أن يكون اللعب الفني هو جوهر الإبداع ، ولذلك تجد الكاتب المفعم بالفن يلعب مع القارئ ألعاباً كثيرة. فها هي الكاتبة تعتمد على الراوي العليم. لكنها سرعان ما تجعل الأبطال يتحدثون فنشعر كأننا أمام راو مشارك وتقنية أخرى تستعين بها الكاتبة من أجل كسر رتابة السرد ، فتراها تلجأ إلى الفلاش باك، لاسترجاع ذكريات ومواقف ماضية، ثم تندفع في السرد لاستكمال الحكاية. ولعل الفصل الأخير المرقم بالرقم 0 يؤكد هذه التقنية ببراعة ، فلقد جعلته الفصل الأخير، فيما كان ينبغي ( منطقيا ) أن يسبق الرقم 0 كل الأرقام التالية. أما وقد جعلته الفصل الأخير، فليس يعني ذلك إلا أن الرواية كلها ليست إلا حالة استرجاع عاشها سليم الخالد.

وقد أجادت الكاتبة استخدام تقنية الأحلام والرؤى ، انظر إلى الرؤى الثلاث التي اعتمدت عليها الكاتبة أيما اعتماد.

وكذلك جاء الحوار فصيحا سلسلا معبرا عن الشخصيات تعبيرا كبيرا دافعا بالأحداث قدما.

ثم إنها لم تنس ألبتة أن تستعين بالفضاء الأزرق وما يحدث فيه من مهاترات لفظية وخدع إنسانية.

** أخيرا:

الرواية ذكية وكتبت بذكاء ورغم بعض الهنات اللغوية في الرواية، فإن الرواية أثبتت أن الإبداع والالتزام صنوان لا ينفصلان ، وقد تداعت مقولات مثل الفن للفن ، لأن الرواية جاءت لتقول الفن من أجل الوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى